السير اثناء النوم
السير أثناء النوم هو سلسلة معقدة من التصرفات تبدأ خلال مراحل النوم العميقة وتنتج عنها هذه المشكلة، وعادة ما يحدث ذلك في الثلث الأول من الليل، ويكون الدماغ أثناء هذه العملية نصف نائم ونصف واع. ويمكن أن يقوم المصاب ببعض المهام السهلة مثل تجنب بعض العوائق التي قد تصادفه وهو يمشي، إلا أنه عادة لا يمكنه التفاعل الكامل مع العوامل الخارجية أو القيام بالعمليات المعقدة؛ فمثلاً قد يقع المصاب من الدرج أو أنه قد يخلط ما بين النافذة والباب مما ينتج عنه بعض الإصابات.
مصطفى العمري واحد من الأشخاص الذين يعانون من هذه الظاهرة المستهجنة والتي كان لها تأثيرها الكبير على مجرى حياته وفي لقاء لـ «الصحة أولا» معه باشر بسرد حكايته قائلا: بدأت هذه المشكلة معي منذ كنت طفلا، فقد تنبه أهلي للتحركات الليلية التي أقوم بها، وفي البداية لم يتوقعوا أني أتحرك وأنا نائم إلى أن تعرضت مرة لحادث حيث وقعت عن سلم البيت وكسرت يدي وكان الوقت متأخرا جدا وبقيت في مكاني حتى استيقظ والدي وقام بحملي وأخذي للمستشفى،
وبعد تلك الحادثة انهمرت الأسئلة من قبل والدي علي، حيث ان الموقع الذي كنت به كان قريبا من الباب الخارجي للبيت. فإلى أين كنت ذاهبا في هذا الوقت ؟ وغيرها من الأسئلة التي لم يكن عندي إجابات واضحة عنها، فقبل الحادث كنت أتحرك ليلا ولكن في إطار البيت الداخلي، فكانوا يعتقدون أني ذاهب للحمام أو المطبخ، أما هذه المرة فالأمر مختلف، فقد كنت متوجها لخارج المنزل، وبسبب عدم إجابتي عن أسئلتهم وضعت تحت المراقبة من قبلهم، وذات يوم سمعتهم يتحدثون عني قائلين:
«إنه يسير وهو نائم لقد قمنا بالتحدث معه ولم يجب. قد يكون الولد قد مسه الشيطان بسوء»، تلك الكلمات جعلتني أعيش برعب، وباتت الأحلام المخيفة تنتابني كل ليلة، لكن السير أثناء النوم لم يفارقني حتى اضطر والداي لربطي بحبل عقد آخره بالسرير بعد محاولات عدة من قبلي للخروج من البيت.
معاناة
كانت مشكلة السير أثناء النوم عندي مسيطرا عليها وأنا طفل، لكن المشكلات بدأت تظهر بعد أن كبرت وأصبحت شابا قويا، فلم يعد من حولي قادرين على السيطرة علي، فبمجرد اقتراب أحدهم مني أثناء تجولي الليلي كنت أدفعه وأبعده عني. هذا ما كانوا يقولونه لي بالطبع، ويصفون العنف والغضب اللذين كنت أبديهما إذا تعرض لي أحدهم، كنت أشعر بالغضب من نفسي عند سماعي لما يقولونه عني، وكنت أحاول جاهدا أن أتذكر أي شيء مما يقولونه لكن دون جدوى، لقد سبب لي هذا الأمر معاناة نفسية كبيرة بالإضافة إلى المعاناة التي كنت اسببها لمن حولي أثناء محاولتهم منعي من التحرك والخروج من المنزل.
الجيران
«لقد رأينا ابنكم بجانب بيتنا بالليل. نرجو ألا يأتي هنا مرة أخرى»، هذه الكلمات كانت موجهة لأبي من قبل أحد الجيران والذي قد تأذى من تجوال شاب مثلي حول منزله ليلا، لكن الذي لا يعرفه ذلك الجار أن من رآه مجرد جسد يسير حالما وغير مسيطر عليه، ولم تكن هذه الشكوى الوحيدة من الجيران، فقد تتالت الشكاوى مما وضع عائلتي في موقف حرج ،
ولم يكن والداي يرغبان باخبار أحد عما أعاني منه، خشية فضحي ومن أن يعتقد الناس أني مصاب بنوع من الجنون أو المس، فنحن نعيش في قرية لا يمتلك من حولنا معرفة وعلما كافيين لتقدير ما أعاني منه، لكن وبعد أن زادت الشكاوى ضدي، اضطر أهلي لإخبار الجيران ما أعاني منه وأني أسير أثناء نومي وهنا دخلت في مرحلة جديدة من معاناتي مع ذلك المرض.
مشكلات اجتماعية
بعد أن أصبحت معروفا في المحيط الذي أعيش به، وقد بلغت حينها 20عاما، بدأت مرحلة جديدة من صراعي مع المشي الليلي، بدأت أستمع لقصص من أصدقائي ومن حولي عن رحلاتي الليلية والتي لم أكن أستطيع تصديقها ولكن بالمقابل لست قادرا على نفيها والدفاع عن نفسي، وكان بعض ضعاف النفوس يستغلون ما أعاني منه ليلفقوا لي بعض الأعمال المشينة التي وضعتني وعائلتي موضع الشك والريبة من قبل المجتمع الذي نحيا به،
وقد واجهت صعوبة كبيرة في الزواج حيث لم أكن مرغوبا من قبل أترابي نتيجة السمعة السيئة التي نسبت لي جراء تحركاتي الليلية، وخوف الناس من أن يكون المرض الذي أعاني منه وراثيا، وخوفهم أيضا من أن أكون غير أمين على ابنتهم . كل تلك الأمور وضعتني تحت ضغط نفسي كبير، مما دفعني للتفكير بالانتحار لإراحة نفسي ومن حولي، وقد قمت بزيارة رجال دين عدة مع والدتي لكي يعالجوني، لكن دون جدوى، وبعد فترة انتقلت للعمل في المدينة حيث يعمل أحد أقاربي،
وقد سكنت معه وكان على علم بما أعاني منه، ما كان يدفعه لإغلاق الباب علي أثناء الليل، وقد سعى للبحث عن حل لمشكلتي، وبعد محاولات أقنعني بزيارة أحد الأطباء النفسيين والذي زرته مرات عدة ووصف لي بعض الأدوية ولكن دون جدوى وهأنذا حتى الآن تحت وطأة هذه المشكلة التي بت أتعايش معها عن طريق إخبار كل من حولي بما أعاني منه كي يأخذوا حذرهم ويعلموا أن الشخص الذي يستيقظ ليلا ليس أنا بل جسدي الذي تتحكم به الأحلام.
ويجدر الذكر هنا أن من يعاني من هذه المشكلة ليس بالشخص الخطر، بل هو في الأصل بحاجة لرعاية وعناية خاصين وانتباه كبير، فالأخطار التي تحيق به أثناء سيره الليلي كثيرة، وهو خلال دخوله في تلك الحالة النفسية لا يستطيع القيام بأي من الأمور التي تحتاج لتفكير وتخطيط، فهو مجرد جسد يمشي وغير مسيطر عليه، فعلينا التعامل معه بطريقة خاصة وصبر ومحاولة التخفيف مما يقوم به ومن حدة الظاهرة التي تسيطر عليه.